JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

في المقهى/ الكاتبة سهير المصطفى

في المقهى
بعد وعوده الكثيرة لها باللقاء، التقيا صدفة في المقهى بعد طول غياب، جلسا على الطاولة متقابلين وطلبا فنجاني قهوة، حاولت جاهدةً أن لا تقع عيناها في عينيه كي لا تضعف أمامهما.
قال لها بعد دقائق من الصمت: قولي ما عندك أنا أسمعك.
حاولت استجماع نفسها لتبدو أكثر ثباتاً موشحةً بنظرها نحو النافذة ثم بدأت بالحديث:
_ تعمدت أن أكشف عيوبي لك منذ بداية تعارفنا فإن كانت لا تروق لك لا تكمل معي ولأختبرك إن كنت ستحبني في جميع حالاتي كي نبدأ بالنهاية قبل أن يتعلق قلبي بك لكنك أصريت على المتابعة.
وعندما رأيت اندفاعك نحوي وحبك لي وعنادك على خوض هذا الحب فتحت لك باب قلبي على مصراعيه وأغلقت عليك مطمئنة بأنك لن تخذله ولن تعبث به.
كنت سعيدةً بك، وثقت فيك أكثر من نفسي، أظهرت لك جميع نقاط ضعفي فاستغليتها جميعاً ..
قاطعها قائلاً: لكني لم أكذب عليك وأحببتك حقاً..
_لا تقاطعني أرجوك..
قالتها وتناولت فنجان القهوة الذي يتراقص بيدها ارتشفت منه القليل وأعادته على الطاولة وثبتت ناظريها أمامها .
_أكملي، قالها وأشعل سيكارته ونفث منها ملء رئتيه ..
_أخبرتك بأني مزاجية ومجنونة، كنت تقول لي أجمل شيء فيكِ جنونك وأنا كنت أصدق.
كنت أقول لك بأن غيابك عني بضع ساعات يجعلني حزينة وإن استقبلتك بالعتاب لا تنزعج، كلمة منك تعيد إليّ توازني، كنت تقول لي سأتحملك..
كنت أقول لك لا تغادرني كان ذلك أكثر شيء أخشاه فكنت تقول لي لن أتركك يا مجنونة وصدقتك.
كنت أقول لك بأنك الوحيد الذي يفهمني، كنت تقول لي منذ اليوم أنا سندك؛ وصدقتك.
شرب فنجان القهوة بجرعة واحدة ونفث دخان السيجارة التي عبّها بسرعة ورمى بعقبها على الأرض ثم قال:
_أنا لم أكذب عليكِ لكنكِ أنت من أجبرني على الابتعاد.
_دعني أكمل كلامي، فأنا انتظرت هذا اليوم طويلاً لأقول كل ما عندي لك، لأني لحد الآن لا أصدق بأنك فعلت بي ما فعلت ..
منذ لمست أول عيوبي بعتابك على الغياب لم يرق لك ذلك فكنت تتأفف كثيراً، وحينما لمست جنوني اختفيت دون مقدمات.
كنت آتي إلى المقهى كل يوم صباحاً بنفس الوقت الذي كنا نلتقي فيه، لكنك لم تأتِ فظننت بأنك مريض وفي إجازة، قلقت عليك كثيراً وكنت أحاول الاتصال بك للاطمئنان عليك لكنك لم تكن تجيب، أرسلت لك بالرسائل وصلتك دون أن ترد عليها، حتى أنك غيّرت طريق ذهابك إلى العمل كي لا تلتقي بي، لكني علمت ذلك وكنت أراك يومياً.
قال متعجباً: كيف ذلك ؟
ابتسمت نصف ابتسامة وتابعت: حتى ولو غيرت مكان إقامتك والمدينة كلها فإني أراك، أعلم بموعد استيقاظك ونومك وعملك المتبدل اسبوعياً حتى موعد قيلولتك ..
لا تتعجب وإن اختفيت واختفى تواجدك على هاتفي سأظل أراك وأعرف كل شيء عنك، أتدري كيف ؟ لأني لا أراك بعيني بل بعين قلبي ..
مدّ يده ليمسك بيدها التي كانت ترتجف، فسحبتها ولا زالت لا تنظر إليه، قال لها:
لكن اسمعيني، أنا مررت بظروف صعبة وكنت أعاني من ضغط العمل وكنت متعباً جداً وأنتِ لم تقدري لي ذلك، إن تأخرت في قول صباح الخير لك تغضبين وتبدأين بمعاتبتي .
_لكن هذا ليس مبرراً ليجعلك تبتعد عني طوال هذه المدة دون أن تتفوه بكلمة.
كم تخيلت بأن تتصل بي صباحاً وتقول لي اشتقت لك يا مجنونة لكنك لم تفعل، كل احتمالات الممكن قد دمرتها يوماً بعد يوم، بتّ متيقنة بأنه من غير الممكن أن تعود إلي وإن لاح لي في الأفق أملاً بعودتك كنت تحطم كل شيء ثم تعود و تختفي، دسست لك برسالة أخبرك بها بأني أمر بظروف صعبة لأني لم أجد غيرك لأخبره بذلك، ظننتك السند والرفيق واليد التي ستنتشلني، قرأت الرسالة ولم ترد حتى أنك لم تحاول أن تتصل بي وتطمئن علي .
إن لم تقف بجانبي في ظرفي الصعب، متى ستكون معي ؟
لكن اطمئن تجاوزت الأمر لوحدي وأنا الآن بأحسن حال .
سأقول لك أخر شيء لدي قبل أن أذهب لن أكون مثلك لن أجعلك تسقط، أقصد كما وصفتني بالشيء الذي سقط منك ولا يستحق الانحناء لأجل التقاطه كي لا تفوتك الحياة، هذه الحياة أمامك بوسعها هي لك، سأفتح يديّ لتنطلق كالطائر الحر، لا أستطيع الإمساك بك أكثر وأنت لا ترغب في البقاء، حبي لك يمنعني من أقيدك بي، لكن اعلم إن اخترت الرحيل حقاً لن أمد لك يدي مجدداً، اخترت لك الطيران على السقوط لأنك ابن قلبي ولا يروق لي أن أضع قلبي أرضًا، بل أن يحلق عاليًا عاليًا..
قالت كلماتها هذه وهربت من أمامه كي لا يرى دموعها التي بدأت تتساقط غزيرة على خديها.

من كتاب قيد الحواس 
author-img

سهير محمد خير المصطفى

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة