JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Home

القصة التي فازت في مسابقة كاتب الشهر\الكاتبة سهير المصطفى

 قيد الحب

حازت قصة قيد الحب التي شاركت فيها في مسابقة كاتب الشهر عن شهرنيسان لعام 2021 على المرتبة الثانية من بين عشرات المشاركات مع كتّاب من مختلف أنحاء الوطن العربي والتي أقامتها دار ببلومانيا للنشر والتوزيع احدى دور النشر المصرية المتعارف عليها في جمعها للكثير من الأدباء والمبدعين ومشاركتها في الكثير من المعارض العربية والعالمية.

كانت المسابقة أن نكتب قصة مستوحاة من الصورة التالية:


جاء في نص القصة:

الثالثة بعد منتصف الليل، وأنا لا زلت منكباً على أوراقي ألثم سطورها بقلمي مانحاً إياها بعضاً من نزيف ألمي، ثم أمزق جلَّ الأوراق التي أنهكتها بكلماتي لتهوي إلى مثواها في القمامة.

اعتراني يأسٌ شلَّ أركاني منذ أشهر، فقدتُ القدرة على نسج الكلمات، وعجزت عن البوح لأحد، وتوقفت عن الانطلاق في قطار الحياة بعدما تعطلت عجلاته في محطة الخذلان والخيبة.

بتُّ أسير الأحزان وحبيس حبٍّ انهار بعد أن بلغ ذروته، محطماً كل آمالي وكأن أساسه كان هشاً فلم يقاوم أكثر.

سرتُ في أروقة العلاقات أبحث عن امرأةٍ تُنسيني همِّي، وتنتشلني من هوّة الفراغ التي خلّفته حبيبتي بعد هجرها لي وزواجها، لكني كنتُ أزداد ضيقاً ونفوراً من كلِّ النساء حتى آل إليّ الحال لأعتكف بين هذه الجدران.

جاء الصباح بشمسه الساخرة من ظلامي، ليُقرع جرس الباب بوتيرةٍ مزعجة وكأن الزائر لا يطيق الانتظار.

_«من ذا الذي سيُقلقُ وحدتي وهدوئي في هذه الساعة؟ »همستُ لنفسي.

_«افتح يا أحمد.» قال الطارق.

فتحتُ الباب ليظهر صديقي حسام بوجهه الضحوك وما إن رآني حتى عانقني بحرارة وولج إلى الداخل دون أن أتفوه بأي كلمة.

_« لدي لك خبرٌ جميل» قالها حسام وجلس على الأريكة منتظراً مني أن أقابله، مشيراً بيده لي كي أجلس وأنصت له.

_«هات ما عندك» قلتُها وما زلتُ أقف وسط الغرفة دون حِراك.

_«فهمت، أنت لم تحتسِ قهوتك بعد» قالها ونهض متوجهاً إلى المطبخ.

لحقتُ به ووقفت عند الباب سانداً جسدي على الحائط، أرقبُه وهو يقومُ بتحضير القهوة وحركاته التي تنم عن حيوية وسعادة. أغبط تلك الروح المرحة التي تسكن داخله وتلك الابتسامة التي لا تفارق محيّاه، واندفاعه في الحياة لا يقيده أيُّ شيء.

ارتشفنا قهوتنا في المطبخ وهو يسألني عن حالي وعن آخر كتاباتي التي ركنتُ آخرها في دار نشرٍ بانتظار إصدارها، لكني نسيت أمرها بتاتاً، حتى أني لم أعد أرغب بها.

_«مبارك لك قبول عملك» قالها حسام وهو يرسم ابتسامةً عريضةً على وجهه، تكشّفت عنها أسنانه.

تابعت ارتشاف قهوتي وكأني لم أسمع خبراً كنتُ بانتظار سماعه منذ زمن، لكنّه اليوم قد وقع في نفسي دون أيّ صدىً يُذكر.

_«ما بك يا أحمد؟ وكأني أهذي بكلامٍ للجدران، ها قد اطلّت بوادر الأمل في تحقيق حلمك وسيرى مؤلفك النور، وسيخرج للملأ.

ابتسمت له مجاملةً_«جميل» قلتُ ولم أزد، ليته يعلم بأنه لم يعد يهمني أن ترى كلماتي النور وأنَّ نفسي باتت سجينة ما كتبت، ذاك الحب الذي سعيتُ لأن أخلده بين دفتي كتاب، بات خرافياً تحكيه القصص فقط.

أنهى قهوتك على عجل وهمَّ واقفاً يستأذن في الخروج إلى عمله، طالباً مني أن أهاتفه مساءً، وعدته بما طلب وغادر وأنا عدت إلى سريري أحاول أن ألملم بعثرة مشاعري التي قيدت حياتي ومنعتني من أنعم بالعيش كغيري.

 فتحت خزانتي وانتقيت منها ثياباً ارتديتها وعزمت على الخروج من بين هذه الجدران التي بتُّ أشعر بأنها تطبق على أنفاسي.

سرت في الشارع بخطواتِ سجين لم يرَ أشعة الشمس منذ زمن، أنظر إلى المارة وهم يعبرون الشوارع بخطواتهم، منهم من تعجَّل وكأنه تأخر عن موعده ومنهم من آثر السير على مهل لينعم بنسمات الربيع ويعبّ من الهواء ملئ صدره.

وأنا كنت أسير على غير هدف ولا وجهة محددة لي، أرغب في الهروب من كلّ ما حلَّ بي من حزن وألم، خرجت إلى الشوارع كي أنسى لكني نسيت أن أنسى، كل شيء يذكرني بها، كلُّ الأماكن دونها خالية.

قابلت في طريقي الكثير من الأصدقاء الذين افتقدوا لقلة تواجدي بينهم، تعذرت بانشغالي في الكتابة وبوعكة صحيةٍ قد لازمتني مؤخراً ومنعتني عن مغادرة منزلي، وهم بدورهم صدقوا حجّتي، لأنهم لمحوا في وجهي الشحوب وشاهدوا في جسدي النحول.

قادني أحد الأصدقاء إلى بيته لتناول طعام الغداء، لبيّت دعوته على مضض ولم أصدق كيف استطعت التهرب منه كي لا أقضي وقتاً أكثر. بدأت أشعر بالضيق بدل أن أُسلي نفسي بعيداً عن التكفير بها فلقد كانت حاضرةً في ذهني في كل لحظة.

جررت بقدميّ إلى البيت بعد انتهاء النهار وأنا أجرُّ بهزائمي خلفي، بعدما فشلت في التخلص مما قد سكن داخلي وأقلق راحتي وسكوني.

ولجتُ إلى غرفتي وتوجهت إلى طاولتي وأوراقي وبدأت أخطُّ عليها رسالة لا أعتقد بأني سأكملها لأني سئمت حياتي، يُقال بأن صديق الإنسان نفسه وأنا نفسي باتت ألدَّ أعدائي، لم يعد شيء يُسعدني في هذه الدنيا ولم أعد أطيق هذا الضيق الذي أشعر به، تركت الرسالة دون توقيع وتوجهت إلى الكرسي في منتصف الغرفة وعلقت رقبتي على حبلٍ كنت قد علقته في السقف منذ أيام، تنهدت :«وأخيراً» أغمضت عينيَّ قبل أن أترك جسدي يهوي معلقاً في الهواء، رنات الهاتف بدأت تمزق الهدوء الموحش وكأنَّ المتصل قد شعر بأني مُقدمٌ على إنهاء حياتي، حاولت أن أصم أذني َّ عنه وأركل بقدمي الكرسي فرفرف جسدي كورقة خريف، وبدأ صراعي مع نفسي التي رفضت الموت، أخرجت سكيناً من جيبي الخلفي وقطعت الحبل وهويت على الأرض، كنت قد وضعت السكين مسبقاً في جيبي لأني أعلم بأن نفسي ستعاندني في الموت أيضاً.

كان الهاتف لا يزال يصرخ ملحاً لأن أستجيب له، وعلى الشاشة كان اسم حسام .

أمسكت الهاتف:

_« مرحباً حسام، قررت أن أكتب فصلاً آخر من كتابي، ليكن هذه المرة عن الخيانة، تعال لنشرب الشاي معاً اشتقت كثيراً للحديث معك»

الكاتبة سهير المصطفى


author-img

سهير محمد خير المصطفى

Comments
No comments
Post a Comment
    NameEmailMessage