JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Accueil

أنا معك/ الكاتبة سهير المصطفى

الساعة في الحائط تشير إلى الثالثة صباحاً وأنا ما زلت أحدق في ذلك السقف فوق رأسي، أراه بعيداً تارةً وقريباً يكاد يطبق على صدري تارةً أخرى.
نشبت عداوةٌ بيني وبين الكرى منذ زمن وكأنه يأبى أن يتصالح معي إلا -بوسيط بيننا- أتناوله ليدخل إلى جوفي على هيئة أقراص دواء، والتي عزمت على أن لا أتناولها الليلة، محاولةً أن أستجلب النوم بدون واسطة لكني لم أجني سوى الأرق.
تسارعت ضربات قلبي، آلام سرت في سائر جسدي، تنميل في أطرافي، بدأت أتعرق على الرغم من برودة الجو في الخارج، "ما هذه الأعراض ؟ أنا متيقنة بأني مصابة بمرض قاتل هذا ليس وهماً"
أغمضت عينيَّ جاهدةً لأن أطرد تلك الوساوس، أن أسبح وأستغفر، لكن لا شيء تغير ...
صوت المؤذن بدأ يكسر صمت الأحياء، أضواءٌ خافتة بدأت تلوح في النوافذ لتنجلي عتمة الليل ووحشته شيئاً فشيئاً.
نهضت بجسدي المتهالك توضأت ومددت سجادة الصلاة خاصتي على الأرض وانكببت عليها في بكاء مرير، أديت صلاة الفجر وقرأت ما تيسر لي من القرآن بعيون ملتهبة، ثم عدت إلى سريري أنتظر خيوط الشمس و استيقاظ كلِّ من في الدار.
التاسعة صباحاً ..هذا ما أعلنت عنه عقارب الساعة التي كنت أراقب تحركاتها، رنَّ جرس الباب بوتيرة مزعجة وكأن الزائر لا يطيق الانتظار.
فتحت أمي الباب، فكانت جارتنا تريد أن تشاركها قهوتها الصباحية وتتبادل معها الأحاديث وتنقل لها نشرة أخبار الحي.
أغبط جارتنا على ضحكاتها التي تخرج من أعماقها وعلى وجهها البشوش الممتلئ وعينيها اللامعتين، وكأن المرض لم يمس جسدها يوماً على الرغم من معاناتها من ارتفاعٍ في سكر الدم وضغطها الذي يتأرجح بين صعودٍ وهبوط، لكنها تعيش حياتها وتغرف من بحر السعادة ما استطاعت.
أحضرتُ القهوة وجلست قبالتهما أُصغي إلى أحاديث ملامحهما التي تنطق قبل أن تخرج الكلمات من فِيهما، دون أن أفهم ما يدخل إلى مسمعي، حتى وكزتني جارتنا على ركبتي قائلةً:" إن شاء الله سنفرح بكِ قريباً "
هزت كلماتها أعماقي وانقبض قلبي وبدأت أوصالي ترتجف. " يفرحون بي؟ وأنا التي لا أستطيع أن أفرح بنفسي، من سيتقبلني وأنا لا أنام إلا بتناول الدواء، كيف لأحدهم أن يُحبني وأنا نفسي لا تُحبني، كيف لي أن أعيش مع عائلة غريبة وأنا أشعر بالغربة بين أهلي؟"
قبل عدة أشهر كنت فتاة مرحة لا يعكر صفوي شيء إلى أن غيَّب الموت أغلى صديقة لدي بعد صراعها مع المرض، ورأيتها في حلمي تمدُّ يديها نحوي وكأنها تنتظرني لأن ألحق بها. بعدها انقلبت حياتي رأساً على عقب، بتُّ أخشى من أيِّ ألمٍ يحل ُّ بي وأهاب أيِّ سعادة لربما أشعر بها حتى بدأت أفقد القدرة على النوم دون دواء، وبتُّ أشعر بوحدة قاتلة وكأني أعيش لوحدي في هذا العالم.
في زياراتي المتكررة للطبيب يقول جازماً بأنّي لا أعاني من أي مرض وعليَّ أن أساعد نفسي على الخروج من هذه القوقعة التي أدخلت نفسي فيها وتقبُّل حالتي بتناول بعض الأدوية التي تساعدني على الاسترخاء والنوم وأنا أشعر بأني أعاني من آلام جسيمة وبأني مصابة بمرض ما ولا أستطيع البوح بما يدور داخلي لأحد، وفي ذات الوقت أحاول أن أستحضر النعاس دون دواء فأقع في صراع داخلي يمزق أفكاري حتى الصباح. وجميع من حولي يجزم بأني حزينة على صديقتي فقط ولا أعاني من أي مشكلة أخرى.
ابتسامة أمي ونظراتها إليّ وغمزات جارتنا لها وكأنهما ينتظران حدثاً مهماً.
_"سيأتينا ضيوف ٌ الليلة ياابنتي ، جهزي نفسك"
قفز قلبي وشعرت بأنه ارتطم بعظام صدري فارتدَّ عنها هلعاً.
"ضيوف!؟" قلتها في نفسي.
تابعت أمي حديثها مع جارتنا ثم نظرت إليّ وقالت:
_" أنا متأكدة بأنك ستفرحين حينما تعلمين من الذي سيزورنا وسيطلب يدك من والدك"
"أفرح!؟" أيُّ فرح تتحدث عنه أمي وأنا كلما زارني الفرح ينقبض قلبي خشية وقوع كارثة ما ؟
_"ومن الزائر؟" نطق لساني أخيراً محاولةً استجماع قوتي .
_"أهل صديقتك عبير رحمها الله، سيتقدمون لخطبتك لابنهم حسام"
_حسام!! الشاب الذي طالما أحببته وحلمت بأن يكون من نصيبي، كم رسمنا الأحلام أنا وعبير ولوناها بكل ألوان الفرح وكم خططنا لليوم الذي ستأتي فيه برفقة عائلتها لخطبتي من أخيها، ها قد جاء هذا اليوم لكنها ليست برفقتهم.
كيف لي أن أتزوج من أخيها وأسكن في بيتهم الذي يفتقد وجودها؟
كيف لي أن أرتبط بأحد وأنا أشعر بأن الموت قريب مني وبأني أكتم ألماً لا يعلم به سوى الله؟
كيف لحسام أن يتقبلني وأنا بَهُت لوني ونَحُلَ جسمي وغارت عيناي ولا أستطيع النوم بدون أدوية، وكيف لي أن أتقاسم معه حياة زوجية وأنا لا أستطيع أن أمنح نفسي حياةً طبيعية دون قلق؟
لن يحدث هذا كلُّه ولن أرتبط به، لا أريده أن يفجع بموتي بعد سنة أو سنتين يكفيه فقدان أخته، أنا فتاة لن تعيش طويلاً ولن أظلم أحداً معي.
"لا أريد الزواج" صرخت في أعماقي وهرعت مسرعة إلى غرفتي وأوصدت الباب خلفي وتركت أمي وجارتنا يتهامسان ويضحكان ويقولان فيما بينهما " لقد خجلت ".
لم يكن خجلاً بقدر ما كان رفضًا، لكني لم أستطع أن أصرح بما يدور في ذهني وما يسكن داخلي، ولم أجد نفسي إلا وجهاً لوجه أمام حسام حينما قَدِم هو وأمه، مشاعرٌ غريبة سكنت فؤادي حينما التقت أعيننا، سرت في عروقي سكينة حرمت منها منذ أن فقدت صديقتي، وكأني أرى في عينيه عبير تضحك وتقول لي : أنا معك ..
 من كتاب حقيبة سفر 
NomE-mailMessage