كلما مرت بي الأيام أزداد تقوقعاً على نفسي، أبني لي بيتًا من الصمت، أعلق على جدرانه لوحاتٍ من ألوان مبهمة، أزداد تعلقًا بركني الخاص..
تتعبني الثرثرة والأحاديث المطولة، أبذل جهداً للتفوه بكلمتين أو ثلاث، وإن وجدت نفسي بين جمعٍ من الناس أبحث عن زاويةٍ أقف فيها لئلا أصاب بعدوى الكلام.
أتقوقع على نفسي وإن كنت في الزحام، في الشوارع أداعب حبات البَرَد، أوشوش غيمةً هاربةً من السماء، تجذبني الأوراق الصفراء تحت الأشجار وتلك التي ما زالت معلقةً بالأغصان ترتجف خشية السقوط.
ألقي السلام على عصفورٍ ينفض حبات المطر عن جناحيه، ويلثم أخرى على الأرض.
مقعدٌ خشبي مبللٌ وطاولة، تحمل بين شقوقها أحاديث عشاق كانوا يوماً قد مروا من هنا، أو شكوى عجوزٍ مضى الوقت هارباً من بين الجدران، ليعقد صفقةً مع أشعة الشمس تمنح عظامه شيئاً من الدفء.
أمشي فوق الأرصفة المبللة والتي تمتلئ بالناس رغم ضجيجهم لا أسمعهم، وجوه متشابهة كلها لا تحمل الوجه الذي أحب.
أتقوقع على نفسي أكثر بعيدًا عمّا يُشغل الناس، أصنع لي بيتًا من ورق، أزين زواياه بالحروف وأغزل على النوافذ كلماتٍ من نور.
أغرق في قوقعتي ها هنا وإن أضعتني ابحث عني لربما وجدتني في شرنقة ما، أنتظر أجنحتي لتنمو وأغدو فراشةً وأطير .